خسائر تغير المناخ.. شبح الجفاف وندرة المياه يحاصران تونس الخضراء
خسائر تغير المناخ.. شبح الجفاف وندرة المياه يحاصران تونس الخضراء
بـ"جفاف حاد" وسدود شبه فارغة، تقف تونس أمام الاختيار الأصعب في معادلة التغيرات المناخية، وسط مخاوف من آثار كارثية وشبه غياب لإجراءات حاسمة قد تخفف من الأزمة وتعمل على التكيف معها.
وتعاني تونس أزمة جفاف ناتجة عن ندرة الأمطار، فيما لم تطرح الحكومة استراتيجيات مختلفة للحدّ من تداعياته والاستثمار في مسارات تنموية بديلة، وفق تقارير بيئية دولية.
ولمواجهة أزمة ندرة المياه، اتخذت السلطات التونسية مؤخرا قرارًا يقضي بقطع المياه الصالحة للشرب ليلًا واعتماد نظام الحصص في التوزيع، بهدف خفض الاستهلاك في البلاد.
ويعتبر معارضون تونسيون أن القرار الذي اتُّخذته السلطات سيزيد من معاناتهم المتفاقمة في ظل زيادة تكلفة شراء المياه من الخزانات الخاصة، وتنامي أزمة اقتصادية غير مسبوقة في البلاد.
وتتأثر تونس كشأن جميع الدول العربية بظاهرة التغير المناخي، لا سيما في ظل كشف تقارير بيئية بأن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعانيان ظاهرة الاحترار بوتيرة تقارب ضعف المعدل العالمي.
وتؤدي ظاهرة الاحترار إلى شح المياه ومخاطر على الأمن الغذائي في المنطقة، إذ يتفق خبراء المناخ على أنه من المحتمل أن يزيد من تقلّب هطول الأمطار، ما سيزيد من تواتر موجات الجفاف.
ويمكن لموجات الحرارة أن تؤدي إلى حوادث خطيرة ومميتة على غرار الجفاف، وتفضي أيضا إلى تفشي الأمراض المرتبطة بالحر وتفاقم خطر الأمراض الموجودة مسبقا.
ويصل نصيب الفرد الواحد من الماء في تونس إلى أقل من 400 متر مكعب في العام، وهي نسبة تقل بـ50 بالمئة عن السقف الذي أوصت به منظمة الصحة العالمية.
ويعاني أكثر من 300 ألف تونسي من غياب الربط بشبكة المياه الصالحة للشرب، وفق منظمات غير حكومية تونسية.
شبح الجفاف
وعصفت ظاهرة التغير المناخي بالمحصول الزراعي بتونس، إذ أقر المدير العام للمجمع المهني للغلال حلمي القلعي، بأن النقص الكبير للأمطار أثر على موسم الغلال الصيفية في تونس، والذي سجل تراجعاً في الإنتاج الوطني بنسبة تجاوزت 24 بالمئة.
ويقدر إنتاج تونس من الغلال بـ223 ألف طن لموسم 2022/ 2023 في مقابل إنتاج بـ294.5 ألف طن في الموسم الماضي بتراجع نسبته 24.3 بالمئة.
وعلى وقع ذلك، تراجعت صادرات تونس من الحاصلات الزراعية بداية من أول يناير الماضي إلى يوليو الجاري بنسبة تقارب 30 بالمئة، في ظل تقلص قيمة الإيرادات بنسبة 11.5 بالمئة لتقارب 65.9 مليون دينار (نحو 22 مليون دولار).
ويؤكد خبراء بيئيون أن تونس مهددة بحلول سنة 2030، بارتفاع مستوى سطح البحر على الشريط الساحلي، على مستوى جزيرتي قرقنة (تابعة لمحافظة صفاقس) وجربة (تابعة لمحافظة مدنين) الواقعتين بالجنوب الشرقي.
وتواجه عشرات الكيلومترات من السواحل في تونس تهديدا بالزوال بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر، كما أن جزءاً من جزيرتي جربة وقرقنة سيكونان تحت الماء في سنة 2030 بسبب ارتفاع مستوى سطح البحار.
ووفق تقديرات البنك الدولي، يعيش نحو 85 بالمئة من سكان تونس البالغ عددهم نحو من 12 مليون نسمة على الساحل، مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ نحو 40 بالمئة.
سياسات جريئة
بدوره، قال منسق في المرصد التونسي للمياه علاء مرزوقي، إن بلاده تعاني من الجفاف وندرة المياه وإن معظم المناطق متضررة من أزمة العطش دون استثناء، خاصة في السنوات الأخيرة.
وأضاف مرزوقي في تصريح لـ"جسور بوست" أن تهالك شبكة المياه في البلاد أدى إلى إهدار تفوق نسبته الـ30 بالمئة من الحصة المائية السنوية، كما يتسبب ذلك في تلوث المياه أيضا.
وأوضح: "أسباب أزمة العطش تعود إلى تتالي 5 سنوات من الجفاف، ما أثر على مخزون المياه في البلاد، والذي يعتمد على ولايات الشمال الغربي والسدود، التي تزود تونس العاصمة -إضافة إلى المدن الساحلية- بالمياه الصالحة للشرب".
وتابع: "سنوات الجفاف أثرت سلبا على مخزون المياه في السدود، وذلك إلى جانب تهالك الشبكات وضعف منظومة الصيانة وضعف إمكانيات المناطق الداخلية التي تتزود عبر الآبار، إلى جانب غياب خطة حكومية لمواجهة تلك المخاطر".
وأشار مرزوقي إلى أن المياه مورد أساسي لاستمرارية الحياة له تأثير مباشر على الإمكانات الاقتصادية، ورغم ذلك فإنه لا توجد استراتيجيات واضحة وجدية في التعامل مع هذا القطاع في تونس.
طوارئ مائية
ومضى قائلا: "رغم حالة الطوارئ المائية فإن البلاد ما زالت تسمح لكبار المستنزفين للمياه بزراعة بعض المحاصيل التي تتطلب زراعتها كميات هائلة من المياه من أجل تصديرها".
وأكد مرزوقي أن قطاع المياه تلزمه قرارات سياسية جريئة، قائلا: "يجب التصدي للفساد واللوبيات التي تستنزف قطاع المياه لأغراضها وأرباحها الشخصية، بالإضافة إلى ضرورة إرساء خيارات استراتيجية للحد من النزيف في القطاعات المستنزفة للمياه".
واختتم حديثه بأن القوانين وحدها لا تكفي والآليات والممارسات يجب أن تكون متناغمة معها، مشيرا إلى أن الأمطار التي هطلت على تونس خلال شهري مايو ويونيو الماضيين قد تخفف حدة أزمة الجفاف، ولكن شريطة مواصلة إجراءات ترشيد الاستهلاك لعدم استفحال الأزمة.
والطبيعة المناخية لتونس تتسم بالجفاف وشبه الجفاف والمرتبطة بالموقع الجغرافي للبلاد، ما يجعل مواردها المائية متغيرة حسب الفصول وحسب المناطق، حيث إن معدل كمية الأمطار في السنة لا يتعدى 90 مم في أقصى الجنوب ويصل إلى 1500 مم في أقصى الشمال الغربي.